فخامته وعد... "ووعد الحرّ دين"!
كتبت نوال نصر في "نداء الوطن":
... وآن لنا أن نفرح. قولوا الله. العماد جوزاف عون أصبح رئيساً للجمهورية اللبنانية. وبين عبارة the game is over التي رفعها مواطنون بعد إطفاء نافورة القصر ورحيل الرئيس الثالث عشر للجمهورية وهي ثكلى مظلمة قاحلة مدمرة أشلاء، استقبل اللبنانيون رئيسهم الجديد رافعين عبارة: الرجل المناسب في المكان المناسب. مجدداً سنردد: قولوا الله.
لم ينم اللبنانيون ليل الثامن - التاسع من كانون الثاني هذا. فرح وخوف. انتظار وريبة. قلق وطمأنينة يطمحون لها. إبن العيشية، قائد الجيش جوزاف عون، في سماتِهِ ما يمنحهم شحنات من الأمل لكن، هل سيصل؟ هل سيسمحون له أن يصل؟ وفي الجولة الانتخابية الثانية، قرابة الثانية والنصف من بعد ظهر البارحة، وبين ألغام أوراق بيضاء وتزييف أوراق باسم "الدستور والسيادة" وبعد مرور ورقة باسم جوزاف نانو، اقتربت الأوراق من رقم ثمانين... واحد وثمانين، اثنين وثمانين، ثلاثة وثمانين... ستة وثمانين... وانفجر الفرح في بلدٍ يأبى أن يموت. لم يعد الحدث في المجلس النيابي. أصبح في كلِ لبنان.
The Game is On. ودوّى الفرقيع في أرجاء لبنان. نساء، رسم العمر والظلم بصماته على وجوههم تجاعيد، شعّت عيونهن. حملن الرز والورود ونثرنها. هي مرحلة جديدة. هو أملٌ جديد. هو فخامة إنسان قال في خطاب القسم كلّ ما يرغب الشعب اللبناني أن يسمعه. التحديات كثيرة؟ بالطبع لكن حين يوجد القرار النقي النظيف تُذلل الصعاب.
وصل فخامته إلى المجلس النيابي، المفلوشة ساحاته بسجادٍ أحمر، ببزة رسمية. بربطة عنق. وقف وقال: أحلف باللهِ العظيم أن أحترم دستور الأمة وقوانينها وأحفظ استقلال لبنان وأراضيه. وتلا خطابه. هو الرئيس الأول بعد المئوية الأولى لقيام لبنان الكبير. قال ما لم نسمعه في خطاب رئيس من زمان وزمان: عهدي لكم أيها الشعب الحبيب أن أكون الخادم الأوّل في الحفاظ على الميثاق. وكرجت الالتزامات: عهدي لكم أن لا صيف وشتاء ولا حمايات وحصانات وفاسدين ومرتكبين... عهدي لكم وعهدي لكم وعهدي لكم... وفي كلِ عهد ما انتظره اللبنانيون الصامدون في وطنٍ مشلّع. هو حدد مستقبل لبنان الجميل الذي لا سلاح فيه إلا سلاح الجيش اللبناني. عهده للبنان القضاء فيه مستقل والعدالة والحقوق والحريات من المسلمات. وعهده في تأمين الحياد الإيجابي والعدالة... وعهده لأصحاب الودائع والضمان الاجتماعي وتطوير عمل النيابات العامة والعمل في ملف المفقودين... وحيث لا فشل في القاموس...
يا الله كم هي لحظات عظيمة. هو وقتٌ يُحسب من فرحنا القليل في بلدٍ تراكم فيه الحزن أرتالاً. نوابٌ شدوا كثيراً على يديه ونوابٌ صفقوا كثيراً له ونوابٌ - قلة - جالسون في الصفوف الخلفية لم يصفقوا. لم يعبّروا. لكنه توجّه إلى الجميع: إذا انكسر أحدنا انكسرنا جميعاً.
تلقى التهاني. وانطلق. وفي تمام الساعة الرابعة إلا ثماني دقائق انطلق في موكب رئاسي إلى قصر بعبدا. دراجون رافقوه. دراجون ابتسموا كثيراً. الورود نثرت مجدداً، التشريفات حضرت. وعائلته، زوجته نعمت، وولداه خليل ونور، وأحفاده انتظروه عند مدخل القصر. إنها الرابعة وعشر دقائق. وصل فخامة الرئيس الرابع عشر. 21 طلقة من بواخر راسية في البحر صدحت. موسيقى التعظيم ارتفعت. مشى الرئيس على السجاد الأحمر. رذاذ النافورة أضفى لمسات حياة على اللحظات الجديدة. ارتفع العلم اللبناني. وعادت الحياة إلى الجمهورية.
هي لحظات لا تنتسى. كلنا نأمل أن تتبعها لحظات مشابهة. وأن تصبح الأحلام حقائق. من حقنا أن نحلم وأن نتمنى وأن ننتظر. هو التزم ووعدَ ووعدُ الحرّ دين. وننتظر.
في العيشية، في البلدة التي أنجبته، والتي حاكت روايات صمود وبطولة على مرّ التاريخ الحديث، عاش الأهالي فرحاً لا يوصف. زغاريد النسوة لم تهدأ. والشمبانيا بللت وجوه ناس خالوا أن اليباس سرمدي أبدي. هؤلاء، كما قال، ممن صنعوا الشجاعة وسيصنعون الأحلام.
هو بادر اللبنانيين بعبارة: أحبائي... بصدقٍ قالها. واللبنانيون طيبون يستحقون "فخامة" من خامة طيّبة. القصر، ليل التاسع من كانون هذا، لم ينم ولن ينام. العمل كثير. واللون الرمادي الذي يطغى في أرجاء القصر لن يكون- نتمنى ألّا يكون- في القرارات. والرمادية الطاغية، لمن لا يعرف، سببها تغيير الأثاث في زمن الرئيس الثالث عشر. يومها احترق بهو الطبقة الأولى كاملاً، في فترة الميلاد، بسبب صاعقة، ما استدعى تغيير كل البلاط والعماد ميشال عون أحبّ الاستعانة بالرمادي. يومها استبدل مكتبه النبيذي والبني بالرمادي مع ستانليس. الرمادي اليوم لن يكون له مكان في القصر الجمهوري إلا في الأثاث.
لم نبتسم من زمان كما ابتسمنا البارحة. اليوم، يصادف عيد ميلاد فخامة الرئيس الجديد. ونحن - بما نعرفه عنه - نظن أنه سيقول اليوم لكل اللبنانيين: هذا العمر كله لا يكفيني لأقول لكم كم أحبكم... أحبائي وعدتكم ووعد الحرّ دين. ننتظر.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|